مضافة عربية تجسد التاريخ والتراث العريق لمقاطعة الرقة

تشكل المضافات رمزاً عريقاً في المجتمع العربي، تناقلتها الأجيال عبر الزمن، ولا تزال حتى يومنا هذا تجسد ذاكرة حية تعكس ملامح الثقافة الأصيلة.

نور الأحمد

الرقة ـ لم تسلب منهم سنوات الغربة انتمائهم إلى بلادهم ولم تمنعهم من المحافظة على هويتهم الفراتية بتفاصيلها الصغيرة، من حجارة ضفاف الفرات وصولاً إلى القطع الأثرية التي حفظوها بعناية، ليرسموا نموذجاً للحضارة العربية التي كادت ملامحها أن تمحى من الحاضر.

 

مزيج متوازن بين الأصالة والحداثة

شُيدت مضافة عائلة أم مهند، بجهدهم وسواعدهم، بطراز معماري مستوحى من الحضارة العربية القديمة، واتخذت شكلاً دائرياً تعلوه قبة، وبُنيت من حجارة منتقاة من ضفاف نهر الفرات بألوانها المتدرجة، ما منحها طابعاً فسيفسائياً ساحراً. أما الداخل، فكساه الخشب بالكامل من الجدران حتى النوافذ وباب المدخل، بينما فُرشت الأرضية بسجادات ومجالس عصرية، في مزيج متوازن بين الأصالة والحداثة.

وقد وضعوا داخلها كل ما يرمز إلى تراث مقاطعة الرقة العريقة وأصالتها وثقافة شعبها المتجذر في عمق التاريخ، بهدف إحيائها في ذاكرة الحاضر وإبقائها للمستقبل مهما مر عليها العصور. وهذا ما يلفت انتباه جميع زائريها، مثل السيوف والخناجر والفانوس وقوارير المياه، ومجموعة من الدلال وفناجين القهوة المرة التي تشتهر بها المضافات العربية وبيوت وجهاء العشائر والقبائل، وجميع القطع تتميز بالزخارف.

 

مقصد لحل النزاعات

تُعد المضافات لدى العرب مقصداً لحل النزاعات بين أبناء العشائر، حيث يجتمع الطرفان المتخاصمان برفقة وجهاء وشيوخ العشيرة من كبار وصغار، بهدف الوصول إلى الصلح وإنهاء الخلاف. ويُشترط في هذا اللقاء ارتداء الزي العربي الشعبي، إيذاناً باحترام المناسبة وتقاليدها. تبدأ الجلسة بطرح المشكلة على الحضور وأخذ آراء الشيوخ والمتواجدين من أجل الوصول إلى حل جماعي عادل يُرضي الجميع.

بعد إتمام الصلح، تُقام طقوس خاصة تعكس عمق التقاليد المتوارثة، أبرزها تقديم القهوة المرّة، التي لا تشرب إلا بعد إنهاء الخلاف داخل المضافة، في دلالة رمزية على طيّ صفحة النزاع، ويتحمل الطرف المعتدي مسؤولية تنظيم وليمة عشاء كريمة يدعو فيها جميع الحاضرين في المضافة، إضافةً إلى أبناء العشائر الأخرى المقيمة في القرية، ومن الطقوس المتبعة أيضاً، ذبح رأس من الغنم أمام المضافة، في تعبير رمزي بأن المشكلة حُلت دون سفك دماء بشرية، وأن دم الغنم يمثل نهاية النزاع.